تفسير حديث ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة - موقع الأرشيف
تعليم

تفسير حديث ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة

تفسير حديث ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة، ليس من دين في الأديان السماوية جميعها أفضل من الإسلام في منح المرأة حقوقها وتمكينها منها أيما تمكين، حتى أنه جاء منصفًا لها ومحررًا من ظلم الجاهلية وأكد على إنسانيتها وعلى أهليتها للتكليف والمسئولية وأعطاها الحقوق الإنسانية جميعها كما الرجل فهي وهو خُلقا من أب واحد وأم واحدة هما آدم وحواء  وقد جاء القرآن الكريم مبرهنًا على ذلك في الكثير من الآيات فقال سبحانه وتعالى :” يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالًا كثيرًا ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والارحام إن الله كان عليكم رقيبا”.

وعلى الرغم من هذا التكريم للمرأة إلا أن الكثيرين يُحاولون أن يُشككوا في ذلك من خلال الاستشهاد بأحاديث مختلفة وردت في الصحاح منها حديث :” ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة” ويبدؤوا في تفسيره وفق أهوائهم وما يخدم نظرتهم القاصرة، وفي هذه السطور نُحاول أن نرد عليهم بتفسير الحديث تفسيرًا صحيحًا..

حديث ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة  

ورد حديث: “ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة” عن أبي بكرة الثقفي في صحيح البخاري ونصه كاملًا أنه قال :” لقد نفعني الله بكلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام الجمل بعدما كدت أن ألحق بأصحاب الجمل فأقاتل معهم، قال: لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهل فارس قد ملكوا عليهم بنت كسرى، قال :”لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة”.

وهذا الحديث لا يعني أن المرأة ممنوعة من الولاية في الدين الإسلامي فالمسلمين يُجمعون بما لا يجعل هناك مجالًا للشك بأن للمرأة ولاية ورعاية وسلطان في بيت زوجها، وفي تربية أبنائها، وفي مجتمع الخلافة الإسلامية كان لها مشاركة واضحة في العمل العام وتستشار في الأمور العامة وأمور تأسيس الدولة الإسلامية وكان لها دورًا في ولاية الأسواق والتجارات والمشاركة في القتال.

تفسير حديث ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة

ويُشير الراوي في الحديث أن الله سبحانه وتعالى نفعه أيام واقعة الجمل ويعني ابي بكرة انتفاعه بتلك الكلمة أنها حفظته من الخروج والمشاركة في الفتنة إذ سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم لما علم بأن الفرس ولوا ابنة كسرى ملكة عليهم بعد موته يقول :” لن يفلح قوم ولوا امرهم امرأة” ويُشير قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا يبلغ الخير والنفع بأمه جعلت للمرأة ولاية عامة سواء في رئاسة أو قضاء أو غيرهما والسبب في ذلك أن الله فضل الرجال على النساء في أصل الخلقة وأعطى الرجال ما لم يعطي النساء من الحول والقوة فكانوا الأقدر على هذه المسئولية، أما ولاية الأمور الخاصة فلا بأس بها كولاية وقف أو ولاية يتامى أو إدارة مؤسسة خاصة كمدرسة أو نحوها فلا بأس بها ومن ذلك أن عمر رضي الله عنه جعل وقفه إلى ابنته حفصة رضي الله عنها.

الدروس المستفادة من الحديث

لا يُمكن النظر إلى الحديث على أنه ينتقص من شأن النساء ولكنه يُحاول أن يُرسي القواعد الشرعية التي فضل الله بها الرجال على النساء من حيث القوة على ولاية الأمر وتحمل المسئولية العظيمة للرعية وتفقدهم في كل وقتٍ وحين دون أن يكل الجسد أو يوهن، ويُؤكد من جهة أخرى أن الولاية العامة هي من أمر الرجال وأن المرأة لا يُمكنها أن تُزوج نفسها ولا تلي العقد على غيرها من النساء وأنها لا يُمكن أن تولى امامة الرجل بل هو وليها.

والمهم في فهم الحديث هو النظر إليه من حيث الواقعة التي ورد فيها لا من حيث النظرة العامة فما تعيشه بعض الأوطان الآن يُشير إلى أن بعض النساء كن في ولايتهن لأوطانهن أنفع من رجال كثر، وبالعودة إلى الحادثة التاريخية التي ورد فيها الحديث فهي تعود إلى الوقت الذي كان فيه الفرس يعيشون حالة من الانهيار السياسي والانحلال الأخلاقي فيما ولوا على أمرهم ملكة فاسدة أدى حكمها إلى مزيد من الانهيار وتعلق الفرس بالوثنية أكثر من ذي قبل وهو ما دفع النبي صلى الله عليه وسلم إلى قول :” لا يُفلح قوم ولوا أمرهم امرأة” فابنة كسرى في ذلك الوقت جعلت حال الفرس يُرثى له.

سبب المغالطة في حديث ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة

بحسب الكثير من المفسرين الذين اطلعنا على آرائهم المتعلقة بالحديث الوارد في صحيح البخاري والذي رواه أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ويشتمل في نصه على قوله:” لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة” أن سبب المغالطة أن الكثير من أعداء الدين والساعين إلى تشويه قيمه ومبادئه القويمة يُحاولون أن يسحبوا الحديث على الحالة العامة في ولاية المرأة وهو أمر لا يُمكن القول بصحته وإن قيل بصحته فإنه سيتعارض مع الظاهر الذي جاء به القرآن الكريم من ذكره لتجربة ملكة سبأ في الحكم والتي كانت أول ملكة في الإسلام واستطاعت أن تُحقق بحنكتها ودهائها أمورًا عظيمة خلدها التاريخ الإسلامي حيث نجا المسلمون بحكمتها وحفاصة رأيها من التورط في معركة خاسرة كادت أن تودي بالرجال وتُذهب الأموال إذ كانت تعتمد على الشورى في تنظيم أمور البلاد وجاء القرآن الكريم مدللًا على تنظيمها الشوري في قوله تعالي أثناء قص قصتها في سورة النمل:” قالت يا أيها الملأ افتوني في أمري ما كنت قاطعة أمر حتى تشهدون، قالوا نحن أولو قوة وألو بأس شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين، قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون”

ويظهر في هذه الآيات أنه على الرغم من استشارتها للقادة من الرجال في مملكتها إلا أنهم أعادوا إليها الأمر والحكم :” فانظري ماذا تأمرين” وأدت هذه الحالة من الشورى والتنظيم إلى تجنيب المسلمين مهالك كثيرة وقادت قومها إلى خيري الدنيا والآخرة.

شبهة حديث “لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة”  

وردت كثير من الأقاويل التي تُشكك في صحة الحديث وأن الراوي أبي بكرة قد جلد بسبب شهادة أدلى بها ولذلك لا يُمكن الاعتداد برأيه وأن حديثه مكذوب، ويقول المفسرون أن ذلك ليس صحيحًا وأن الرواية عن ابي بكرة مقبولة فضلًا عن قبول رواية جميع الصحابة باعتبارهم من العدول رضي الله عنهم جميعًا، وقالوا أن من يقول بتضعيف الحديث فهذا ايضًا غير صحيح فلا يُمكن تضعيف حديث من أحاديث صحيح البخاري كون الأحاديث الواردة في صحيحه أجمعت الأمة على تلقيه بالقبول ويقول العلماء أن الاحتجاج بأن الحديث ليس متواترًا لا يُمكن الاعتداد به فالصحيح أن الخبر الواحد تثبت به العقائد والأحكام.

وعليه لا يُمكن رد الحديث ولكن الأهم من رد الحديث فهمه في الإطار الذي وضع فيه والتنبه لحالة الغليان التي يعيشها العالم الإسلامي حيث يتربص الكثيرون به ليُظهروه دين متخلف عنصري يُفرق بين الرجل والمرأة ويضطهدها ولا يحترم حقوقها والدين الاسلامي من ذلك كله براء بل لا يوجد في الأديان السماوية إحقاق لحقوق المرأة كما هو موجود في الدين الإسلامي وتشريعاته وسننه التي أرساها نبي الأمة محمد صلى الله عليه وسلم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى